الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ القائلُ :] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ[([1]) وأشهدُ أنَّ سيدَنَا محمداً عَبْدُ اللهِ ورسولُهُ القائلُ :« إِنَّ اللَّهَ مَعَ الدَّائِنِ حَتَّى يَقْضِىَ دَيْنَهُ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا يَكْرَهُ اللَّهُ »([2]) اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ علَى سيدِنَا محمدٍ وعلَى آلِهِ وأصحابِهِ والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أَمَّا بَعْدُ: فأُوصِيكُمْ عبادَ اللهِ ونَفْسِي بتقوَى اللهِ ، قال تعالى:] وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [([3]).
عبادَ اللهِ : لقدْ ندبَ اللهُ عزَّ وجلَّ إلَى القرضِ وأثابَ عليهِ فقالَ تعالَى :] مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً [([4]) وحثَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم علَى قَضَاءِ حَوَائِجِ الْمُسْلِمِينَ وَنَفْعِهِمْ بِمَا تَيَسَّرَ مِنْ مَالٍ والتنفيسِ عنهُمْ فقالَ صلى الله عليه و سلم :« مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ »([5]).
وفِي الوقتِ نفسِهِ حذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم مِنْ أخْذِ أموالِ الناسِ وعدمِ ردِّهَا فقالَ صلى الله عليه و سلم :« مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ »([6]).
وكانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم يستعيذُ مِنَ الدَّيْنِ فيَقُولُ :« أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْكُفْرِ وَالدَّيْنِ ». قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَتَعْدِلُ الدَّيْنَ بِالْكُفْرِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم :« نَعَمْ »([7]) .
قالَ أحدُ العلماءِ : لأَنَّ الْكُفْرَ جُحُودُ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى , وَإِنْكَارُ الدَّيْنِ أو إِتْلافُهُ جُحُودُ حَقِّ الْعِبَادِ , فَعَادَلَ جُحُودُ حَقِّ الْعِبَادِ جُحُودَ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى([8]).
أيهَا المسلمونَ : إنَّ المسلمَ لاَ يَلجأُ إلَى الدَّيْنِ إلاَّ إذَا كانتْ هناكَ ضرورةٌ ، أَوْ حاجةٌ قاهرةٌ ، ولاَ يَخْفَى أنَّ الضَّرُورةَ تُقَدَّرُ بِقَدَرِهَا ، فالدَّيْنُ هَمٌّ بالليلِ ، يقولُ سيدُنَا عمرُ بْنُ الخطَّابِ رضي الله عنه : إيَّاكُمْ والدَّيْنَ فإنَّ أوَّلهُ هَمٌّ([9]).
والواقِعُ يُصَدِّقُ هذَا ، فَكَمْ مِنْ أفرادٍ ساءَتْ أحوالُهُمْ بسببِ الدَّيْنِ .
والدَّيْنُ يؤثر علَى النفسِ الإنسانِيةِ، يقولُ النبيُّ صلى الله عليه و سلم:« لاَ تُخِيفُوا أَنْفُسَكُمْ بَعْدَ أَمْنِهَا». قَالُوا: وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ« الدَّيْنُ»([10]).
وهو كذلك يؤثر علَى الأخلاقِ والعلاقاتِ الاجتماعيةِ يقولُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم :« إنَّ الرَّجُلَ إذا غَرِمَ -أيِ استدانَ- حَدَّثَ فَكَذَبَ وَوَعَدَ فَأَخْلَفَ»([11]).
بلْ يؤثِرُ علَى العملِ الصالحِ يقولُ النبيُّ صلى الله عليه و سلم:« نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ»([12]) ومعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه و سلم مُعَلَّقَةٌ أيْ محبوسةٌ عَنْ دخولِ الجنةِ حتَّى يُقْضَى دَيْنُهُ .
وفِي هذَا الحديثِ دعوةٌ إلَى الإسراعِ بقضاءِ دَيْنِ الميتِ ، وذلكَ لإزالةِ مَا يَحْبِسُهُ عَنْ دخولِ الجنةِ، ويُمْكِنُ لِوَلِيِّ الميتِ أنْ يَسألَ الدائنينَ أنْ يُحَلِّلُوا الميتَ مِنَ الدَّيْنِ، أَوْ أنْ يجعلُوهُ حَوالةً عليهِ يَتَكَفَّلُ لَهُمْ بالدَّفْعِ عنهُ إسراعاً بتَبْرِئَةِ ذِمَّتِهِ .
عبادَ الله : أرأيتُمْ كيفَ حَذَّرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم مِنْ عواقبِ الدَّينِ ؟ وكيفَ قَطَعَ شهوةَ الطمعِ التِي تَدْفَعُ الإنسانَ إلَى الاستدانةِ فِي أمورٍ يمكنُ الاستغناءُ عنهَا ؟ أَوْ لاَ فائدةَ منْهَا فِي دِينٍ أَوْ دُنْيَا ، ومعَ كلِّ هذَا فقدْ تَهاونَ بعضُ النَّاسِ بأمْرِ الدَّيْنِ، وأساءُوا استخدَامَهُ ، فاسْتَدَانُوا فيمَا لاَ ضرورةَ لَهُ ، فيلقْنَعْ كُلٌّ منَّا بِمِا قسمَهُ اللهُ تعالَى لَهُ ، ولاَ يلجَأْ إلَى الدينِ إلاَّ إذَا كانَتْ هناكَ ضرورةٌ مَاسَّةٌ ، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم:« ارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ »([13]).
وقالَ صلى الله عليه و سلم :« ازْهَدْ فِيمَا فِى أَيْدِى النَّاسِ يُحِبُّوكَ »([14]).
وقدْ بيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أنَّ الغنَى ليسَ بكثرَةِ مَا يملكُ الإنسانُ بلْ بغنَى نفسِهِ فقَالَ :« لَيْسَ الْغِنَى عَنْ كَثْرَةِ الْعَرَضِ ، وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْسِ »([15]).
اللَّهُمَّ ارزقْنَا رزقًا حسنًا وباركْ لنَا فيهِ وقنعْنَا بهِ، اللَّهُمَّ اكْفِنَا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ، وأَغْنِنا بِفَضْلِكَ عَمَّنْ سِوَاكَ، اللَّهُمَّ اقْضِ الدينَ عَنِ المدينينَ .
أقولُ قولِي هذَا وأستغفرُ اللهَ العظيمَ لِي ولَكُمْ .
الخطبةُ الثانيةُ
الحَمْدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَريكَ لَهُ وأشهدُ أنَّ سيدَنا محمداً عَبْدُ اللهِ ورسولُهُ ، اللهمَّ صَلِّ وسَلِّمْ وبَارِكْ علَى سيدِنا محمدٍ وعلَى آلِه وأصحابِه والتابعينَ ومَنْ تَبِعَهُمْ بإحسانٍ إلَى يومِ الدِّينِ .
أمَّا بعدُ : فاتقُوا اللهَ عبادَ اللهِ واعلمُوا أنَّ هذِهِ هِيَ مَعَالِمُ الدَّيْنِ وحُدُودُهُ وأَحْكَامُهُ، فَلاَ ينبغِي الاستكثارُ مِنَ الديونِ فِي غيرِ حاجةٍ أوْ ضرورةٍ مُلجئةٍ ، وليقنعْ كلٌّ منَّا بِمَا آتاهُ اللهُ تعالَى ، فالقناعةُ مِنْ علاماتِ الفلاحِ ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم :« قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافاً وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ »([16]) .
هَذَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أُمِرْتُمْ بِالصَّلاَةِ وَالسَّلاَمِ عَلَيْه ، قَالَ
تَعَالَى:]إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا[([17]) ويَقُولُ الرسولُ صلى الله عليه و سلم :« مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً »([18]) اللَّهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ عَلَى سَيِّدِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ، وَارْضَ اللَّهُمَّ عَنِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ، اللَّهُمَّ لا تَدَعْ لنا ذَنْبًا إِلاَّ غَفَرْتَهُ ، وَلاَ هَمًّا إِلاَّ فَرَّجْتَهُ ، وَلاَ دَيْنًا إِلاَّ قَضَيْتَهُ ، وَلاَ حَاجَةً مِنْ حَوَائِجِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ قَضَيْتَهَا بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعَفَافَ وَالْغِنَى ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدينِ والدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يُحِبُّكَ وَالْعَمَلَ الَّذِي يُبَلِّغُنَا حُبَّكَ، اللَّهُمَّ إِنِّا نسْأَلُكَ الثَّبَاتَ فِي الأَمْرِ، وَالْعَزِيمَةَ عَلَى الرُّشْدِ، وَنسْأَلُكَ مُوجِبَاتِ رَحْمَتِكَ، وَعَزَائِمَ مَغْفِرَتِكَ، اللَّهُمَّ أَخلِفْ علَى مَنْ زكَّى مالَهُ عطاءً ونماءً وزدْهُ مِنْ فضلِكَ سعةً ورخاءً، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِكُلِّ مَنْ وَقَفَ لَكَ وَقْفًا يَعُودُ نَفْعُهُ عَلَى عِبَادِكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، اللَّهُمَّ إنَّا نَسْأَلُكَ الْمَغْفِرَةَ والثَّوَابَ لِمَنْ بَنَى هَذَا الْمَسْجِدَ وَلِوَالِدَيْهِ، وَلِكُلِّ مَنْ عَمِلَ فِيهِ صَالِحًا وَإِحْسَانًا، وَاغْفِرِ اللَّهُمَّ لِكُلِّ مَنْ بَنَى لَكَ مَسْجِدًا يُذْكَرُ فِيهِ اسْمُكَ، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ الأَحْيَاءِ مِنْهُمْ وَالأَمْوَاتِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْ الشَّيْخَ زَايِدَ والشَّيْخَ مَكْتُومَ وإخوانَهما شيوخَ الإماراتِ الذينَ انتقلُوا إلى رحمتِكَ، اللَّهُمَّ أَنْزِلْهُم مُنْزَلاً مُبَارَكًا، وأَفِضْ عَلَيْهِم مِنْ رَحَمَاتِكَ وَبَرَكَاتِكَ، وَاجْعَلْ مَا قَدَّموا فِي مِيزَانِ حَسَنَاتِهِم يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا الشَّيْخَ خليفةَ بنَ زايدٍ وَنَائِبَهُ إِلَى مَا تُحِبُّهُ وَتَرْضَاهُ، وَأَيِّدْ إِخْوَانَهُ حُكَّامَ الإِمَارَاتِ وَوَلِيَّ عَهْدِهِ الأَمِينَ، اللَّهُمَّ اجْعَلْ بَلَدَنَا هَذَا آمِنًا مُطْمَئِنًّا وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ، وَوَفِّقْنَا جَمِيعًا لِلسَّيْرِ عَلَى مَا يُحَقِّقُ الْخَيْرَ وَالرِّفْعَةَ لِهَذِهِ الْبِلاَدِ وَأَهْلِهَا أَجْمَعِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ صَلاَتَنَا وَقِيَامَنَا، وَاجْعَلْ جَمِيعَ أَعْمَالِنَا خَالِصَةً لِوَجْهِكَ الْكَرِيمِ.
اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاسْتَغْفِرُوهُ يَغْفِرْ لَكُمْ، وَأَقِمِ الصَّلاَةَ.