قال الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله في الداء و الدواء صفحة 169 :
فصل [ المعاصي سبب الهلاك في الدنيا و الآخرة ] :
و من عقوبتها : أنها تستجلب مواد هلاك العبد في دنياه و آخرته ، فإنّ الذنوب هي أمراض متى استحكمت قتلت ولابد ، و كما أن البدن لا يكون صحيحاً إلا بغذاء يحفظ قوته و استفراغ يستفرغ المواد الفاسدة و الأخلاط الرديئة التي متى غلبت عليه أفسدته ، و حمية يمتنع بها من تناول ما يؤذيه و يخشى ضرره .
فكذلك القلب لا تتمُّ حياته إلا بغذاء من الإيمان و الأعمال الصالحة تحفظ قوته ،
و استفراغ بالتوبة النصوح يستفرغ بها المواد الفاسدة و الأخلاط الرديئة منه ،
و حمية توجب له حفظ الصحة و تجنب ما يضادها و هي عبارة عن ترك استعمال ما يضاد الصحة .
و التقوى اسم مُتناوِلٌ لهذه الأمور الثلاثة ، فما فات منها ، فات من التقوى بقدره .
و إذا تبين هذا فالذنوب مضادة لهذه الأمور الثلاثة ، فإنها تستجلب المواد المؤذية ، و توجب التخليط المضاد للحمية ، و تمنع الاستفراغ بالتوبة النصوح .
فانظر إلى بدن عليل تراكمت عليه الأخلاط الرديئة و مواد المرض ، و هو لا يستفرغها ، ولا يحتمي لها ، كيف تكون صحته وبقاؤه ؟ و لقد أحسن القائل :
جسمك بالحمية حصنته *** مخافة من ألم طاري
و كان أولى بك أن تحتمي *** من المعاصي خشية النار
فمن حفظَ القوة بامتثال الأوامر ، و استعملَ الحمية باجتناب النواهي ، و استفرغ التَّخليطَ بالتوبة النصوح ، لم يدع للخير مطلباً ، ولا من الشر مهرباً ، و الله المستعان ] .